(4)
إعادة إثبات نبوة نبي الإسلام محمد (ص) فضلاً عن إثبات إمامة أوصيائه الكرام لكثير من المسلمين هو ما وصلنا إليه اليوم للأسف، ولست مجازفاً إن قلت إنّ كثيراً من المسلمين لا يعرفون إثبات نبوة نبيهم الكريم بشكل صحيح، فأغلبهم وجد نفسه مسلماً بالولادة ولم يكلّف نفسه عناء الاطلاع والبحث، ثم أفاق وقد ملأ رأسه قول علماء المسلمين بأنّ النبي يعرف بالمعجزة المادية وأكبرها شأناً ودلالة هي القرآن، ولما يُسأل عن كيفية دلالته يجد نفسه عاجزاً عن الإجابة، فالقرآن – كما يعرف الجميع – لم ينزل دفعة واحدة، وإنما اكتمل نزوله خلال مدة تقرب من 23 سنة، فهل يقصد العلماء أنّ النبي الأكرم انتظر 23 عاماً من عمر دعوته الإلهية ليكتمل بعدها دليل نبوته ؟ أو أنّهم يقصدون كفاية شيء من القرآن في تحقق الدلالة على نبوته، وما هو ذلك الشيء الكافي بالضبط؟
من جانب آخر: إذا كان شيء من القرآن كافٍ بنظرهم، وهم في نفس الوقت يرون أنّ وجه إعجاز القرآن ودلالته على نبوة النبي هو اللغة والفصاحة التي نزل بها وعجز عنها فصحاء العرب عند التحدي، وعجزهم يثبت نبوته، وهو ما يجده أي باحث ومتابع في كتبهم، فيكون لزاماً عليهم إثبات أمرين بنحو القطع؛ لأننا نتكلم في أهم المسائل العقائدية:
الأول: إثبات أنّ رسول الله (ص) كان معه من القرآن ما يكفي لتحقق الإعجاز اللغوي – كما هم يصوّرون – والتحدي به في أول لحظة ابتدأ فيها دعوته الإلهية، هذا مع أنهم مختلفون في بيان القدر المعجز من القرآن فضلاً عن اختلافهم في أول ما نزل منه، وإذا أخذنا برأي بعضهم بأن أقل المعجز هو “السورة” وأنّ الكثير منهم يرى أنّ أول ما نزل “آيات” من سورة وليس “سورة” كاملة، فهذا يعني أنّ النبي ابتدأ بدعوته ولم يكن لديه دليل يثبت صدق دعوته، فهل يقبلون بنتيجة ما أسّسوه!!
الثاني: إثبات أنه (ص) تحدّى العرب بما نزل عليه من القرآن للإتيان بمثله من زاوية لغوية وبلاغية، وهو ما لم يثبت قطعاً، ولا تجد عليه شاهداً لا من القرآن ولا من سيرة النبي (ص).
الأمر الآخر الملفت في بحوث العلماء أنهم يشبّهون إعجاز القرآن بسائر معاجز الأنبياء المادية كقلب عصا موسى (ع) حيّة تلقف أفك السحرة، أو تطبيب عيسى (ع) لبعض المرضى في زمانه وشفائهم على يديه وما شابه ذلك، وهو في الحقيقة انتقاص من القرآن دون أن يعي العلماء ذلك، والسبب: إنّ معاجز الأنبياء المادية – التي يُعبّر عنها عادة بـ “الآيات” في النص الديني – ليست هي الأساس في التعرف على خلفاء الله عموماً؛ لأنها ببساطة قد تحصل وقد لا تحصل، وهي ليست متوفرة دائماً مع جميع خلفاء الله على طول خطهم الرسالي، قال تعالى: “وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ” [الإسراء: 59]، ومع ذلك فالدليل على أحقية الرسل متوفر دائماً ولا يضر عدم مجيئهم بالآيات على صدقهم في دعواتهم الإلهية شيئاً.
وأيضاً: بالنسبة للإتيان بالآيات (المعاجز المادية) أمرها معلّق على إذنه سبحانه، قال تعالى: “وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ” [العنكبوت: 50]. ولا يُعقل أن يكون دليل صدق أنبياء الله أمر غير موجود فعلاً وإنما هو معلق وموقوف على إذن الله، وإلا فهو “نذير مبين” بماذا ؟ ثم هل سمع أحد بأنّ نبياً من الأنبياء طالبه قومه بالدليل على صدق دعوته وطلب منهم الانتظار حتى يأذن الله بمجيء الدليل أو أجابهم بأنه أمر معلّق على إذن الله بالإتيان به، هل حصل مثل هذا مع أحد منهم صلوات الله عليهم ؟!!
إنه لأمر مؤسف حقاً أن يصل الحال في التعامل مع القرآن الكريم ورسول الله (ص) إلى هذا المستوى، بحيث لا يعرف جل علماء المسلمين فضلاً عن عامتهم الاستدلال الصحيح على إثبات نبوة النبي الكريم، ولا يتمكّنون من بيان موقع القرآن الكريم منها، ولا بيان وجه الإعجاز في كتاب ربهم، وكل ما يعرفه المسلم في أيامنا هذه هو التقليد لمن هم في حقيقة الأمر ليسوا بأحسن حالاً منه.
لا ريب أنّ حالاً كهذا الذي نشاهده لا ننتظر منه غير أن تؤدي حملات التشكيك بدين الله ورموزه الكرام إلى تعاطف بعض المسلمين معها أو لا أقل زعزعة الثقة في نفوسهم بدين الله وقادته المعصومين.
لذا كان لزاماً علينا كمؤمنين بالله وكتبه وخلفائه الكرام الدفاع عن دينه ورموز خطه الرسالي القويم، وإماطة اللثام عن الشكوك والطعون التي يمارسها البعض وكشف وهنها وزيفها والمغالطات التي تنطوي عليها.
ملاحظة: لمن أراد الاطلاع على المنهج الصحيح في إثبات خلافة رسول الله محمد (ص) فيمكنه الرجوع إلى كتاب “عقائد الإسلام” للسيد أحمد الحسن – اضغط هنا