(35)
إشكال 9: الإشكال على مضامين القرآن من جهة أنها – بنظر المشككين – يناقض بعضها بعضاً، وهذا ينافي كونه كتاباً إلهياً معصوماً.
الجواب: لا شك أنّ اتهام القرآن بالتناقض في مضامين آياته من قبل المشككين يستبطن – ابتداء – دعواهم بأنهم فهموا تلك المضامين فهماً دقيقاً، إذ من الواضح أنّ اتهام كلام ما – أي كلام كان – هو فرع فهمه بشكل صحيح ودقيق أولاً. هذا، لكننا سنعرض بعض أمثلتهم للتناقض المزعوم وسنرى بوضوح أنّ المشككين لم يفهموا أساساً تلك المضامين القرآنية التي زعموا التناقض والتضاد فيما بينها، ومن ثمَّ تكون دعوى التناقض – والحال هذه – ليست سوى وهم وجهل منهم بمراد القرآن.
ولأنهم يسوقون عدة أمثلة بهذا الصدد، سنحاول استعراض المهم منها وسيكون حال غيرها واضحاً بوضوح القول فيما نذكره من أمثلة.
مثال 1: يرى بعض المشككين أنّ بين قوله تعالى: “إِنَّ الذِينَ آمَنُوا وَالذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون” المائدة: 69، وقوله تعالى: “مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِين” آل عمران: 85، تناقض إذ كيف يكون المؤمن اليهودي أو الصابئي أو المسيحي ممّن لا خوف عليه والحال أنه غير مسلم ويفترض أن يكون في الآخرة من الخاسرين بحسب الآية الثانية؟
الجواب: الاشكال – كما هو واضح – ينطلق من تصور أنّ الدين عند الله متعدد، فالإسلام دين كما أنّ لكل من اليهود والمسيحيين والصابئة دين مستقل أيضاً، لكن الحقيقة التي غفل عنها المشككون – وكذا الكثير من أتباع الأديان – أنّ الله سبحانه لما كان واحداً فدينه واحد أيضاً، أما تعدد الرسل الإلهيين وتتابع بعثهم فهو لا يعني تعدد الدين بقدر ما يعني أنّ كلاً منهم يبشر وينذر بدين الله الواحد بحسب ما يسمح له مقامه الإلهي واستعداد قومه للقبول منه إضافة إلى سائر الظروف المحيطة بالبعث والإرسال الإلهي التي تؤدي إلى اختلاف بعض وظائف الرسل وطبيعة خطابهم.
ومسألة وحدة الدين الإلهي وهو “الإسلام” أمر واضح في نصوص القرآن الكريم، فهو الدين الإلهي الذي بعث الله به جميع الأنبياء والمرسلين.
– “وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً” النساء: 125.
– “وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ” البقرة: 132.
فدين إبراهيم هو الحق وما سواه سفه “وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ”. ودين إبراهيم هو التسليم لله فهو الإسلام لا غير “إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ”. فمن سلّم لله فهو مسلم ودينه الإسلام، سواء كان قد تبع إبراهيم (ع) في زمانه أو موسى (ع) في زمانه أو عيسى (ع) في زمانه، قال تعالى: “أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ * قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ” آل عمران: 83 – 85) عقائد الإسلام – الأصل الثالث: العقيدة الإلهية منذ آدم إلى قيام الساعة.