الرئيسية / مقالات حوزوية / حاكمية الله دفاع عن الإنسانية وليست صراعاً على السلطة – د. زكي الصبيحاوي

حاكمية الله دفاع عن الإنسانية وليست صراعاً على السلطة – د. زكي الصبيحاوي

لاشك في أنّ موقف علي بن أبي طالب (ع) من السقيفة وحكومتها قد حيّر الألباب، وما زال إلى اليوم الكثير من الباحثين في الشأن الإسلامي ممن يعلنون حبهم وولاءهم إلى الإسلام يشعرون بغصة، وهم يطرحون التبرير تلو التبرير لموقف الإمام علي (ع) من حكومة السقيفة، وهم يدركون أنّ تبريراتهم لا يقنعون بها أنفسهم فكيف يقنعون بها قرّاءهم، ولكن ما الذي يفعلونه أمام هذا الابتلاء الذي وضع الإمام علي (ع) الأمة كلّها حياله، فانمازوا فيه إلى فسطاطين راديكاليين، وقلة ثالثة وجدت نفسها في منطقة الاستضعاف قبال كثرة لا تستوعب الأمر إلا في ساحة الصراع على السلطة، ولذلك ترى من المسلمين من يرى أنّ الإمام (ع) كان موصى به لخلافة النبي (ص) لذا كان ينبغي عليه أن يرفع السيف مهما كلّفه الأمر، ويغفلون عن أن الحاكمية في ساحة الله هي دين، والله سبحانه يقول {لا إكراه في الدين ….}، وليست صراعاً على سلطة أو أمرة دنيوية.
 
وطائفة أخرى ترى أنّ الإمام (ع) رضي بما قبل به الناس ـ وإن كان على مضض ـ ولكنه مغلوب على أمره (بمنظار المغالبة على السلطة)، والطائفة الثالثة وهم القلة الذين كانوا يقولون: إن الرجل موصى من النبي (ص)، والنبي أخبره بهذا المآل، ولذلك لم يشحذ للمواجهة سيفه، وآثر الصبر، وهذه الطائفة تعلم أنّ الإمام (ع) لا يرضى له الله سبحانه ولا نبيه الأكرم (ص)، ولا هو يرضى لنفسه أن يكون طرفاً في الصراع على السلطة، وهذا واضح من موقفه الصريح من بيعة أبي سفيان له، كما يذكرها الطبري في تاريخه حيث يروي: (عن هشام، قال: حدثني عوانة، قال: لما اجتمع الناس على بيعة أبي بكر، أقبل أبو سفيان، وهو يقول: والله إني لأرى عجاجة لا يطفئها إلا دم يا آل عبد مناف، فيم أبو بكر من أموركم؟ أين المستضعفان؟ أين الأذلان علي والعباس؟ وقال: أبا حسن ابسط يدك حتى أبايعك، ….. قال: فزجره علي، وقال: إنك والله ما أردت بهذا إلا الفتنة، وإنك والله طالما بغيت الإسلام شرا، لا حاجة لنا في نصيحتك.).
 
القلّة كانت تعلم أن الإمام (ع) هو الحاكم بأمر الله سبحانه، سواءً كانت السلطة بيده، أو لم تكن بيده، وهذا ما أقرّه سالبوا السلطة ايضاً والنازون على منبر رسول الله (ص)، فأحدهم كان يقول: لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو حسن ـ يقصد الإمام (ع) ـ ، وهذا نفسه هو صاحب مقالة: (في بيته يؤتى الحكم)، عندما حمل أحد سائليه من اليهود وذهب به إلى بيت الإمام (ع) ليجيب مسائله!
 
نعم للأسف الذين كانوا في زمن الإمام علي (ع) يدركون تماماً موقع الإمام (ع)، ولكنه كما صرّح القرآن الكريم {…. انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين}، والشاكرون هم القلة الذين صبروا على انقلاب الناس على الأعقاب، وعاد الناس سيرتهم الأولى، فراحوا يصورون أمر الدين وكأنه صراع على السلطة، وصراع على حكم الناس والتسلط على رقابهم، ليكونوا أصحابَ سيادة عليهم لا أكثر ولا أقل.
 
ستة أشهر بعد انقلاب السقيفة قضاها الإمام علي (ع) والسيدة العظيمة الزهراء (ع) يطرقون أبواب الأنصار ليبيّنوا لهم الحق، ليتحقق قوله تعالى{… لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ}(الأنفال/42)، ولمّا تبين الحق من الباطل، لم يعد هناك للناس حجة في خذلان وارث الدين الإلهي بعد النبي (ص)، وانصراف الناس عنه، إنما حظهم ضيّعوا، وفرّطوا بكل هذا البناء الشامخ الذي تركه النبي (ص)، وانحازوا إلى السلطة، وانحازوا إلى الدنيا انحيازاً جعلهم يحلبونها دماً عبيطاً، وينقضوا وصية النبي (ص) في خطبة الوداع، إذ ما عادت دماؤهم ولا أعراضهم ولا أموالهم حرام كحرمة يومهم ذاك في شهرهم ذاك في بلدهم (مكة المكرمة)، وهذا ما فعله أبو بكر وخالد بن الوليد بمالك بن نويرة وعشيرته، وهم جماعة مسلمة معصومة الدم والعرض والمال!
 
لماذا كانت السقيفة سقيفة انقلاب؟ لأنها ببساطة ووضوح أعادت الحكم والحكومة إلى حضيرة السلطة والتسلّط، بعد أن جاهد النبي (ص) واجتهد في أن يخرجها من تلك الحضيرة ليجعلها تتنفس نور الله في ساحة قدسه؛ ساحة الدين الإلهي، ساحة إنسانية الإنسان الذي عصم الدماء والأعراض والأموال. 
 
 
– بقلم د. زكي الصبيحاوي – اضغط هنا لمتابعته عبر الفيسبوك 

 

x

‎قد يُعجبك أيضاً

سلسلة: دراسة في آية إكمال الدين – د. عبد العالي المنصوري

دراسة في آية إكمال الدين (1) – د. عبد العالي المنصوري دراسة في آية إكمال ...