قال تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ۚ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ ۗ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ۚ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (سورة المائدة: 3).
الحديث عن جزء من الآية المباركة، اعني قوله تعالى: (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ۚ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا).
والسبب الذي دعاني للحديث عن هذا المقطع، لكوني لم اجد ارتباطاً بين ما تقدم عليه وما تأخر عنه، فلم افهم وجه الارتباط بين قوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ۚ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ . . . فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (، وبين قوله تعالى: (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ۚ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا).
كما إنّ مفسري المسلمين لم يبينوا وجه الارتباط بينهما.
ولا يمكن القول بأن الله تعالى أكمل الدين وأتم النعمة ببيان الاحكام المذكورة في الآية، اعني: حرمة الميتة، والدم ولحم الخنزير . . . الخ؛ إذ جميع الاحكام التي بينتها الآية، اعني: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ۚ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ . . . فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) ، انما تخص احكام الذبائح، والدين فيه مئات الاحكام الأخرى التي لم تتعرض لها الآية المباركة، فكيف تكون تلك الاحكام سبباُ لاكمال الدين الالهي الخاتم لجميع الاديان الالهية ؟!
مضافاً الى إن هذه الاحكام الشرعية المذكورة في الآية قد بُينت وعمل بها المسلمون قبل نزول قوله تعالى: (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ۚ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا).
اجمع المسلمون على ان نزول قوله تعالى: (الْيَوْمَ يَئِسَ . . . الْإِسْلَامَ دِينًا) في حجة الوداع التي كانت في آخر سنة من حياة النبي (ص)، ومن المؤكد ان هذه التشريعات التي تخص الذبائح مشرعة وقتئذٍ، ويعمل بها المسلمون قبل حجة الوداع بسنين.
كذلك لا يمكن ان يكون تشريع تلك الاحكام التي تخص الذبائح علة ليأس الكفار من الدين الإسلامي؛ (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ)؛ لعدم وجود فرق بينها وبين بقية الاحكام الأخرى الثابتة في الشريعة المباركة، فلا توجد خصوصية فيها تجعل تشريعها موجباً ليأس الكفار من الدين الإسلامي.
إذن فدلالة قوله تعالى: (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ۚ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) تختلف تماماً عن دلالة ما سبقها وما تلاها من الآية المباركة، ولا يوجد ارتباط بينهما، ولذا كانت هذه الدراسة في هذا المقطع؛ (الْيَوْمَ يَئِسَ . . . وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) من الآية الكريمة، بغض النظر عما تقدمها وما تأخر عنها.
– بقلم د. عبد العالي المنصوري – اضغط هنا لمتابعته عبر الفيسبوك