(38)
• مثال 4: يزعم بعض المشككين أنّ القرآن يحوي تناقضاً في مسألة نهاية فرعون، فقد صرّح في موضع بغرقه: “فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ” القصص: 40، وفي موضع آخر صرّح بنجاته: “فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ” يونس: 92، كما أنه يخالف قول داود: “وَدَفَعَ فِرْعَوْنَ وَقُوَّتَهُ فِي بَحْرِ سُوفٍ” مزمور: 136.
الجواب: كانت نهاية فرعون وجنده هي الغرق بالفعل بصريح القرآن الكريم، قال تعالى: “فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ” الذاريات: 40، “وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ” البقرة: 50، “كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ” الأنفال: 54، وكذا صريح الروايات.
وأما الآية 92 من سورة يونس “فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ” فليس معناها أنّ فرعون نجا من الغرق كما فهم المشكك، وإنما هو نجاة لبدنه وجثته بعد الموت من أن تبقى في البحر؛ خصوصاً وأنّ فرعون كان قد لبس كامل عدّته الحربية وكان مثقلاً بالحديد باعتبار أنه خارج لقنال موسى (ع) وبني إسرائيل، لذا اعتبر القرآن خروج جثته آية من آيات الله وعبرة لمن بعده؛ لأن المفروض أن يبقيها الحديد في قاع البحر.
(إبراهيم بن محمد الهمداني، قال: قلت لأبي الحسن الرضا (ع): لأي علة أغرق الله عز وجل فرعون وقد آمن به وأقر بتوحيده؟ قال: لأنه آمن عند رؤية البأس، والإيمان عند رؤية البأس غير مقبول، وذلك حكم الله تعالى في السلف والخلف، قال الله تعالى: “فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّه وَحْدَه وكَفَرْنا بِما كُنَّا بِه مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا” وقال عز وجل: “يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً” وهكذا فرعون “حَتَّى إِذا أَدْرَكَه الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّه لا إِله إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِه بَنُوا إِسْرائِيلَ وأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ” فقيل له “آلآنَ وقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً” وقد كان فرعون من قرنه إلى قدمه في الحديد، وقد لبسه على بدنه، فلما غرق ألقاه الله تعالى على نجوة من الأرض ببدنه، ليكون لمن بعده علامة، فيرونه مع تثقله بالحديد على مرتفع من الأرض، وسبيل الثقيل أن يرسب ولا يرتفع، فكان ذلك آية وعلامة) الصدوق، علل الشرائع: 1/59.
يقول السيد أحمد الحسن في معرض تفسيره للآية 92 من سورة يونس: (وأيضاً لابد من ملاحظة حال فرعون لما أطبق عليه الماء فقد كان مثقلاً بالحديد الذي تدرّع به كحال جنده أيضاً؛ لأنهم قد خرجوا لقتال بني إسرائيل فلا يمكن تصور أنه يطفو أو يسبح فتكون عنده فرصة لأنّ يقول شيئاً؛ لأنّ الحديد يمنعه من ذلك؛ ولأنّه مثقل بالحديد فقد كان خروج جثته من الماء بعد هلاكه آية من الله؛ لأنّ المفروض أن يبقيه الحديد في قاع البحر “فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ”).
• مثال 5: يزعم بعض المشككين أنّ بين قوله تعالى: “وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً” النساء: 3، وقوله تعالى: “وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ” النساء: 129، تناقض إذ يبدو أنّ العدل بين النساء مستطاع بحسب الآية الأولى لكنه ليس كذلك بحسب الآية الثانية.
الجواب: منشأ الاشكال أنّ المشكك توهم أنّ متعلق العدل في الآيتين واحد، والصحيح أنه ليس كذلك، وقد أجاب أوصياء الرسول محمد (ص) هذا الإشكال قبل أكثر من ألف عام، لكننا ماذا نفعل للمقلّدين الذي لا يحسنون شيئاً غير الاشكال والتشكيك.
الإشكال على الآيتين قديم، طرحه ابن أبي العوجاء على هشام بن الحكم، ولم يكن لديه جواب حتى لقى الإمام الصادق (ع)، فسأله عن الآيتين، (فقال له أبو عبد الله (ع): أما قوله عز وجل: “فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة” يعني في النفقة، وأما قوله: “ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة” يعني في المودة) الكليني، الكافي: 5/363.
فما هو غير مستطاع هو العدل بين النساء في المودة، وما هو مستطاع وواجب على الزوج هو العدل بين النساء في النفقة، فلا تعارض بين الآيتين إطلاقاً.